عنف الطلاب
انتشرت في الفترة الأخيرة ظاهرة العنفالطلابي وازدادت حدتها في السنوات الأخيرة والمتتبع لما تنشره صحفنا المحلية فيصفحات الحوادث يدل على تزايد هذه الظاهرة ونموها نموا غير طبيعي مما يتطلب تدخلا منجميع مؤسسات المجتمع الرسمية وغير الرسمية في تتبع أسبابها ووضع الحلول المناسبةلها.
ويمكن تعريف العنف بأنه كل فعل أو تهديد يتضمن استخدام القوة بهدف إلحاقالأذى الجسمي أو النفسي بالآخرين. ويمكن لنا أن نقسم العنف حسب اتجاهاته إلى ثلاثةأقسام:
عنف موجه ضد المعلمين وممتلكاتهم
وعنف موجهضد مؤسسات المجتمع
وعنف موجه ضد الطلاب أنفسهم
والعنف عادة ماينتج من الشعور بالإحباط وعدم الاتزان النفسي وانعدام التوجيه التربوي.
وفيدراسة أجريت على 180ألف طالب سعودي في (500) مدرسة اشتركت في إعدادها خمس إداراتتعليمية في وزارة التربية والتعليم عام 1422هـ ونشرتها مجلة المعرفة تناولت (42014) مشكلة سلوكية و(820) قضية طلابية جاء السلوك العدواني بنسبة أعلى لدى طلاب منطقةالرياض بنسبة 35.2%.وتأتي هذهالنسبة في المرتبة الثامنة من حيث المشكلات بينالمناطق والمحافظات التعليمية التي شملها المسح.
وجاءت نسبة مشكلة السلوكالعدواني مرتفعة في المرحلة المتوسطة بنسبة 44.9% مقارنة بالأدنى في المرحلةالثانوية 17.5%، وتأتي بينهما المرحلة الابتدائية بنسبة 37.5%.
وكشفت دراسةأخرى نشرتها جريدة الرياض في عددها الصادر يوم الأحد الموافق 17/11/1423هـ ظهور عددمن المشكلات السلوكية لدى بعض الشباب السعودي في مراحل التعليم المختلفة ومن بينهاالسلوك العدواني أو العنيف.
والعنف لدى الطلاب ليس مقصورا على مدارسنا فيالمملكة بل تشتكي كثير من المجتمعات العربية والغربية من تنامي هذه الظاهرة فعلىسبيل المثال أثناء بحثي في الانترنت وجدت دراسة استطلاعية أعدها الدكتور فيصل سعدونشرتها جريدة تشرين السورية في 14 كانون الثاني 2002عن هذه الظاهرة تبين أنالمجتمع السوري يعاني إلى حد كبير من هذه الظاهرة. وقد دعت تلك الدراسة المجتمعالسوري بكافة مؤسساته إلى وضع حلول لتدارك هذه الظاهرة.
وعلى هذا النحو فإندراسة أسباب هذه الظاهرة الخطيرة ومسؤولية وضع الحلول الناجحة لا يمكن حصرها بجهةواحدة مثل وزارة التربية فقط، بل يجب أن تشارك جهات عديدة الرسمية منها والأهليةلمساعدة الأسرة في القيام بدورها. كما أن معرفة أسباب العنف يساعد المؤسساتالتربوية والاجتماعية على السيطرة على هذا السلوك الانحرافي.
والطالب بشكل عاميتأثر بعدة عوامل تحيط به وتؤثر في سلوكه إما إيجابا أو سلبا مثل الأسرة و المجتمعبكافة مؤسساته. وتؤكد كثير من الدراسات التربوية على الدور الكبير الذي تقوم بهالأسرة في تنشئة أبنائها، فهي تلعب دوراً رئيسيا ومهما في رسم شخصية الفرد وسلوكه،وفيها يتعلم الأطفال التحكم في رغباتهم وكبت ميولهم الذي لا يتوافق معالمجتمع.(السدحان:96)
والأسرة هي المؤسسة الاجتماعية الأولى وهي الباني الأوللشخصية الطفل وتشكيل سلوكه في المجتمع. وبالتالي فإن الأسر التي تسود فيها العلاقاتالمتوترة بين الأبناء أو بين الأبوين تجد أبنائها على الغالب متوترين وتسهلاستثارتهم لأتفه الأسباب.
كما أن انخفاض المستوى الثقافي للأسرة قد يكون سبباففي زيادة اتجاه الأبناء نحو سلوكيات غير مرغوبة ومن ضمنها العنف .وليس الأمرمقصورا على الأسر المفككة بل إن بعض الأسر المستقرة اجتماعيا للأسف الشديد قد تخرجللمجتمع أفراداً غير سويين، فقد تكون عملية التنشئة الاجتماعية في هذه الأسرة خاطئةينقصها تعلم المعايير والأدوار الاجتماعية السليمة أو تقوم على اتجاهات والديةسالبة مثل التسلط والقسوة والرعاية الزائدة والتدليل والإهمال والرفض والتفرقة فيالمعاملة .(زهران:407)
كما أن ضعف معلومات الوالدين عن خصائص النمو التي يمر بهاأبناءهم وما يحتاجونهم من حاجات تحتاج إلى إشباع خاصة في مرحلة المراهقة قد تكون منأسباب توتر العلاقة مابين الأبناء والآباء مما يدفع الأبناء إلى القيام ببعضالسلوكيات ومن ضمنها العنف للفت الانتباه لما يعانونه من مشاكل وللتعبير أيضا عنذواتهم المكبوتة في هذه الأسر.
فيجب على الوالدين تشجيع أبنائهم على استثمار مالديهم من قدرات ومهارات مختلفة وتنمية هذه القدرات ليستخدموها فيما ينفعهم ويفيدهم. ويفضل أن يبدأ الوالدين بالاهتمام بهذا الجانب منذ مراحل الطفولة الأولى وما بعدهاحتى يعرف الابن ما يدور في البيئة وما يحدث فيها وتكون لديه ملكة التفكير والحكمعلى الأشياء وتقديرها. وحتى يتمكن من الإضافة إلى خبراته بواسطة تشجيع الوالدينوتوجيههم العقلي والثقافي (زهران، 1990).
وقد يكون للحي الذي تقطنه الأسرة دورامكملاً لدورها في توجيه الطفل ، فقد يكون داعماً لما تقدمه من سلوكيات بغض النظر عنماهية هذا السلوك ، وقد يكون هادماً وذلك يتأتى من طبيعة الحي ومستواه الاقتصاديوالاجتماعي.ففي الدراسة التي أجراها مركز أبحاث مكافحة الجريمة بالمملكة العربيةالسعودية ظهر أن الأحياء التي تقطنها أسر الأحداث الأسوياء أرقى بكثير من الأحياءالتي تسكنها أسر الأحداث الجانحين (الجريسي:1421)
بالإضافة إلى هذه الأجواءالمساعدة، هناك عوامل أخرى تعتبر أساسية في انحراف الطفل وتبنيّه للعنف والعدوان،فقد يخضع الطفل لأنماط من التربية (في إطار الأسرة أو المدرسة) يشعر من خلالهابالظلم والإحباط، فيندفع للثأر والانتقام بالوسائل المتاحة له.
ورغم الدورالكبير الذي تؤديه وتقوم المدرسة به في العملية التربوية لأبنائنا الطلاب إلا أنهمن واقع تجربتنا أن طلابنا يواجهون مشاكل تربوية لا حصر لها وغالبا ما يستعصي عليناكتربويين إيجاد حلول لها وغالبا ما نميل إلى إلقاء التهم على البيت في ظهور هذهالمشاكل والتي قد نكون نحن ونظامنا التعليمي سببا في حدوثها.
وما يلفت الانتباهفي أغلب ما اطلعنا عليه من دراسات عربية في هذا المجال تركيزها في وضع الحلول علىالمؤسسات الرسمية وتغييب شبه متعمد للمؤسسات الأهلية التطوعية في المشاركة في وضعالحلول لهذه الظاهرة. وهناك تجربتين أحب أن أوردهما لتأكيد الدور الهام للمؤسساتالتطوعية في المشاركة مع مؤسسات المجتمع الرسمية في المساهمة في وضع حلول عمليةلعلاج هذه الظاهرة.
التجربة الأولى قريبة منا وهي مطبقة في دولة الكويت وقداطلعت عليها وتقوم بها لجنة الصحبة الصالحة بجمعية الإصلاح الاجتماعي بدولة الكويتويشرف عليها الدكتور محمد بن فهد الثويني المتخصص ببرامج المراهقين وتقوم على أساسمساعدة الأسر في تربية الأبناء عن طريق إيجاد برامج تربوية هادفة متنوعة تلبياحتياجات المراهقين والشباب تبدأ من فترة العصر إلى بعد صلاة العشاء تقريبا بشكلشبه يومي. وقد قامت هذه اللجنة من شدة الإقبال على برامجها بفتح أكثر من فرع فيمحافظات الكويت.التجربة الثانية هي تجربة سويدية تنفذها Kid link كيد لينك وهيمنظمة عالمية غير ربحية، يوجد مركزها الرئيسي في النرويج. وتركز على دعم جيل الشبابعن طريق تزويدهم ببرامج تعليمية مجانية. وذلك من أجل مساعدتهم على إنشاء الصداقاتوكذلك من أجل الإسهام في تدريبهم على كيفيّة اجتياز المراحل العمرية بشكل سلس، ولايقتصر جهود هذه المنظمة على الشباب وإنما تعمل أيضا على توعية الآباء والمعلمين علىاستخدام أساليب تربوية جديدة عن طريق تبادل الخبرات مع العديد من الآباء والمؤسساتحول العالم.
وما يعنيني هنا أن هو التأكيد على الدور التطوعي الأهلي سواء كانمؤسسيا أو بجهود فردية لمساعدة الأسر والمؤسسات الحكومية الأخرى في وضع حلول ناجحةلهذه الظاهرة.
ويمكن أن نذكر بعض التوصيات التي يمكن أن تسهم في الحد من هذهالظاهرة وهي كالتالي:
فتح النوادي المختلفة الرياضية والثقافيةوالاجتماعية من قبل الجهات المعنية بدلا من تركهم لرفاق السوء في الشوارع يتعلمونمنهم السلوكيات غير المرغوبة والعنيفة. وهناك تجربة في مدينة الجبيل الصناعيةتنفذها إدارة الخدمات الاجتماعية بالهيئة الملكية أظن أنه ناجحة تتمثل في الاستعانةبمجموعة من الطلاب لإدارة المراكز الترفيهية في المدينة مقابل أجر رمزي لشغل وقتفراغهم ولحث زملائهم على الالتحاق بهذه المراكز التي يديرونها .
التوسع في الاستفادة من المباني المدرسية من حيث الملاعبوالتجهيزات وفتحها للطلاب في أوقات الاجازات الرسمية وبعد اليوم الدراسي حتى تكونبمثابة تفريغ لأنشطة الطلاب.
العناية بتطوير الأسلوب العقابيداخل المدرسة والابتعاد عن الأساليب التي تنمي الاتجاهات نحوالعنف.
تفعيل دور المرشدين الطلابيين في المدارس مع تأهيلهموإعطائهم دورات تدريبية دورية في جميع مراحل التعليم المختلفة حتى يتسنى لهم معالجةالطلاب المنحرفين سلوكياً والضعفاء دراسيا.
تدريب المعلمينلاستيعاب مشاكل الطلاب وتفهم احتياجاتهم.
عقد ندوات توعوية للطلبةتساهم في إرشاد الطلاب نحو الأثار السلبية لمرافقة كبار السن وأصدقاء السوء،
واستقطاب الشخصيات المؤثرة في نفوس الشباب لهذا الغرض.
عقدالدورات الإرشادية لأولياء الأمور من الآباء والأمهات ذوي المستوى التعليمي والدخلالاقتصادي البسيط لتوعيتهم بخصائص النمو ومراحلها عند الأبناء، وفهم متطلباتهم وأسسالتعامل معهم وحثهم على متابعتهم، واتباع الأساليب التربوية في معالجة مشكلاتالأبناء.
القيام بدراسات تربوية عن أسباب عنف الطلاب والاستفادة مننتائج هذه الدراسات في وضع الحلول لهذه الظاهرة.
المراجع العلمية
1-
زهران، حامدعبدالسلام (1990). "علم نفس النمو: الطفولة والمراهقة". القاهرة: عالمالكتب.
2-
زهران، حامد عبدالسلام (1980). "التوجيه والارشاد النفسي القاهرة: عالم الكتب.
3-
السدحان،عبدالله بن ناصر(1415).وقت الفراغ وأثره في انحرافالشباب.
4-
الجريسي،خالد(1421) انحراف الشباب . الرياض