من أهداف الصيام
بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على نبيه محمد وعلى من والاه.
وبعد:
فإن الصوم يتعلق بثلاث حالات لا يتم صوم المسلم ولا يجني ثمرته إلا بذلك.
الحالة الأولى: الكف عن الطعام والشراب ومعاشرة الزوج من طلوع الفجر حتى غروب الشمس ابتغاء مرضاة الله وامتثالًا لأمره سبحانه واحتسابًا للأجر منه. والدرس المستفاد من ذلك هو تقوية إرادة الصائم وعزيمته على ترك المحرمات إذ أنه يخالف عاداته التي تعودها في غير رمضان وهي من الأمور المباحة التي أحلها الله فيكون اجتناب المحرمات عليه أيسر، وبالتالي يكون أقوى على ترك ما حرم الله من المشتهيات والأطعمة والأشربة. كذلك تقوى نفسه على النهوض بالطاعات ومصالح العباد. ويكمن سر الصوم في تلقي دروس مراقبة الله إذ الصوم سر بين العبد وربه فقد يكون المرء وحده بين جدران بيته وبين يديه الفاكهة اليانعة والطعام الشهي والماء البارد وغير ذلك مما أحل الله من متع الدنيا فلا يتناول شيئًا من ذلك لرسوخ مراقبة الله عليه ويقينه بحسابه له. فمن تحلى بهذه الروح الطيبة روح الإحساس بمراقبة الله تراه لا يقدم على ارتكاب المعاصي ولو سرًّا ولا يقصر في أداء واجب نحو ربه أو بني جنسه وذلك معنى قوله تعالى ﴿ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ فمن لم تزك نفسه بهذه الفضيلة فعليه مراجعة نفسه في الصوم.
الحالة الثانية: روى البخاري من حديث أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه" ولا يتوقف الأمر عند قول الزور والعمل به وإنما يعم كل أمر يخالف العبد فيه ربه. وفي حديث أبي هريرة الذي رواه البخاري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "والصيام جنة وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يجهل ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم" وقال ابن حجر الرفث الكلام الفاحش. ومعنى لا يجهل لا يفعل شيئًا من أفعال الجهال كالصياح والسفه. والصخب يعني رفع الصوت بلا داع كالذي يهذي بالغناء وغير ذلك مما يتنافى والآداب العامة. وإن كان الإسلام لا يمنع المسلم أن يدرأ عن نفسه عدوان الغير عليه إلا أنه في شهر رمضان يحثه على أن يقول في حالة العدوان عليه إني صائم كما في الحديث. وفي قوله - صلى الله عليه وسلم - "فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يجهل ولا يصخب" هذا يعني يوم الصوم كله من ليله ونهاره وليس في النهار فحسب كما يفهم كثير من الناس. ومعنى ذلك أنه يجب على الصائم أن يلتزم بهذه الأخلاق وهذه الآداب وأن يكون ذلك سمته في رمضان كله حتى إذا انتهى رمضان ينتهي معه كل ما تعوده من قبل من تلك الأخلاق الفاسدة والعادات القبيحة. أين هذا مما عليه الناس اليوم وهم عندما يرون رجلًا سيئ الخلق في نهار رمضان يقولون: "دعه فإنه صائم". وكأن الصوم مدعاة لسوء الخلق ولا حول ولا قوة إلا بالله.
فلو التزم الصائمون بتلك الآداب لعادت إلى الناس فضائل الإسلام واستقام الأمر وانتهى دور الشيطان أو خف عنهم. وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - "إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنان وغلقت أبواب النيران وسلسلت الشياطين" فأين هذا مما عليه الناس اليوم. فإنهم قبل رمضان بزمن بعيد يعدون العدة لرمضان، ففي وسائل الإعلام يعدون البرامج وقد أمسك الشيطان وأعوانه بزمام الأمور، ففي كل يوم تعرض على شاشة التلفاز مباريات الكرة التي تعطل الشباب عن الصلاة، كما تعرض الأفلام والمسرحيات والتمثيليات غير ما يسمونه بالفوازير وهي تافهة غير هادفة لا تعود بثقافة ولا علم وإنما هي مضيعة للوقت وتعويد على الكذب وتسفيه للعقول من حيث لا يدري الناس الذي يتهافتون عليها طعمًا في جوائزها المالية. وضاع أثر الصوم بين هذا وذاك ويمر رمضان كغيره من الشهور بل يزيد الناس من لهوهم ولعبهم وسهرهم حتى الفجر ثم ننادي بزيادة الإنتاج. فيا للعجب انقلب رمضان إلى شهر تهريج ولعب وضاعت على الناس مقاصد الصوم العالية الرفيعة. إن شهر رمضان كله وقت عبادة وإذا كان المرء في صلاة تبطل صلاته إذا عمل في أثنائها عملًا آخر لغير الصلاة. كذلك الصوم شهر عبادة فمن اقترف شيئًا من المعاصي فليعلم أنه يقضي على أثر الصوم. وفي الحديث "فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه" ألا فليحاسب كل امرئ نفسه عن سمعه وبصره ويده ورجله وفؤاده، ولتحاسب المرأة نفسها على ما تبديه من زينتها وكشفها ما أمر الله بستره منها. وقد فهم سلفنا الصالح رضي الله عنهم هذه المعاني، فقد ذكر ابن حجر في الفتح عن أبي عبيدة بن الجراح أن الغيبة تضر بالصيام. وعن عائشة - وعليه الأوزاعي - أن الغيبة تفطر الصائم وتوجب القضاء. أ. هـ س.
الحالة الثالثة: روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجود الناس بالخير وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل. وكان جبريل عليه السلام يلقاه في كل ليلة في رمضان ينسلخ، يعرض عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - القرآن، فإذا لقيه جبريل عليه السلام كان أجود بالخير من الريح المرسلة " وفي البخاري أيضًا من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه".
أقول: هذا هو منهج المسلم في رمضان ترديد للقرآن بالنهار وصلاة القيام بالليل. والله عز وجل يقول ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾ [البقرة: 185] إذ أن رمضان هو شهر القرآن ففيه بدأ نزوله. وعلى ذلك فالصيام تأهيل للسلم وعروج بروحه إلى ساحة القرآن الطيبة، ولذلك كان أئمة الهدى مثل الإمام أحمد وغيره رحمهم الله عندما يأتي رمضان يلقون ما في أيديهم من كتب العلم ويتفرغون للقرآن قراءة ودراسة. وليس المقصود تلاوة القرآن بلا تدبر إنما للوقوف على معاني القرآن وأهدافه العظيمة. فالصيام يكف المسلم عن المنكرات، والقرآن يجدد له عقيدته وخلقه حتى يكون المسلم حسبما رضى الله لعباده. كذلك يشاطر القرآن في هذه الفضائل صلاة التراويح وهي صلاة القيام ليصطبغ المسلم بصبغة الإسلام ويتجدد إيمانه وصلته بربه.
والله ولي التوفيق.
رابط الموضوع: http://www.alukah.net/sharia/0/58570/#ixzz3aLE5fZb5